بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين النبي الأمي معلم البشريةالهادي إلى سواء السبيل وعلى آله الأطهار الطيبين وعلى أصحابه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين
فقدشاهدتفي تلفاز الكويت واستمعت إلى حلقتي (كشكول) اللتين تناولتا الصوفية ..والحقيقة ، إن الصوفية قد تعرضت للنقد والتشويه منذ زمن بعيد وعلى مرالعصور بحق .. وبدون حق ، وقد أثلج صدري ما سمعته من السيد يوسف هاشمالرفاعي الذي كان بسيطًا في رده ، واقعيًا في كلامه، هادئًا في نقاشه ، واثقًا من نفسه في دفاعه ، بل في طرحه .. فهو منذالبداية أظهر .. وبيَّن .. وأوضح وجهة نظره كصوفي أو كعميد الصوفية فيالكويت بقوله: إن أي تصرف أو سلوك للصوفية يتعارض مع الدين فليس صاحبه حجةعلى التصوف ، ولا حجة على الإسلام .. بل إن الصوفيةتتبرأ من هذا السلوك ومن صاحبه قبل أن يتبرأ منه غيرهم .. كلام واقعي ،ومنطقي لا غبار عليه ، بل به اختزل السيد الرفاعي تعريف الصوفية الحقيقية، التيتقومعلى الورع والتقوى والاجتهاد في العبادة ، والمداومة على ذكر الله ، ومحبةرسوله ، وأن هذه الأفعال والأقوال ، وتلك السلوكياتواضحة للجميع ، فلا باطن عندهم ولا ظاهر ، بل صفحة بيضاء مفتوحة للجميع ،فهم لا يعملون في الخفاء ، إلا ما كان من عبادة لله في جوف الليل بعيدًاعن أعين الناس ، وهذا أمر يشترك فيه كل المسلمين..
أماالمشاركونأو المتحدثون في هاتين الحلقتين ، فقد كان لهم موقف حيادي حينًا ، وموقفمؤيد للصوفية أحيانًا أخرى ؛ فهم يرون أن الصوفية موجودة في كل زمان ومكان..وأنْ لا غبار على ما يمارسونه من عبادة ـ لا انحراف فيها ـ وذكر للهتعالى .. وصلاة على الرسول الكريم ، وهوأمر ليس مستغربًا إذا تذكرنا أن غالبية الصوفية ومؤسسيها أو القائمينعليها هم من آل بيت الرسول الكريم . حتى إن أحد المتحدثين تمنى أن يكونصوفيًا وهو باحث ينطلق في حديثه عن علم ومعرفة.
إلاأنما لفت انتباهي موقف الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، وهو كما يبدو صاحب دين، وما دام صاحب دين ، فمن المسلم به أنه صاحب علم ، ولما كان صاحب علم ،فكان من المتوقع أن يكون موضوعيًا في طرحه ، منطقيًا في تناوله ، حذرًا فيرأيه ، مترويًا في كلامه ، مقتصدًا في أحكامه، إلا أن ما خرج من فيه وتدحرج على لسانه نفى عنه صفة العلم والموضوعية ،وما كنا نتوقع ـ كمشاهدين ـ أن تصدر منه مثل هذه الأحكام المتسرعةالتكفيرية لجماعة أحبت الله ورسوله ، مهما كان سلوكها ، وما كنا نريد لهومنه ذلك . وهنا لابد لي أن أؤكد على ضرورة الحذر من خلطالأوراق ، والمساهمة بقصد أو بدون قصد في نشر الكراهية بين المسلمين ،والزج بجماعات واتجاهات في مثل هذه الموضوعات ، لذا أقول لا داعي لاستعداءجماعة ضد جماعة هم أخوة في الدين مهما اختلفوا في القناعات والوسائل ، فمنيسمونهم بالسلفية هم أخوة في الدين لهم قناعاتهمواعتقاداتهم التي يرونها المنهج الصحيح ، وعلينا أن نحترم وجهات نظرهم ،كما نحترم وجهات نظر الآخرين ، مادامت تحت مظلة الإسلام بمبادئه التي لاتخفى على أحد .
أعودفأقول:إنه من الغريب أن يعمم الشيخ عبد الرحمن فيتهم الصوفية وأهلها بالزندقة ،والشرك ، وعبادة غير الله ، والانحراف عن الدين ، وادعاء الكذب على الله ،وأن الصوفية هي عبادة القبور!!. وبذا يكون فضيلته قد أخرج ـ دفعة واحدة ـقطاعًا عريضًا من المسلمين من ملة الإسلام!!!إذ لم يستطع ـ هداه الله ـ أن يميز بين الغث والسمين ، ولا أقول: بينالخبيث والطيب لأننا نفترض في الآخرين حسن النية ، ونفترض أن من شذ عنالطريق القويم إنما هو عن جهل لا خبث ..
أقول:كنا نتوقع من الشيخ عبد الرحمن أن يقول: إن حب الله ، والاجتهاد في عبادتهقيامًا وقعودًا ، ضحى وليلا ، والإكثار من ذكره ، وحب الرسول والتغنيبشمائله من الفضائل المحببة ، وأن هناك أقوامًا من المسلمين ساروا بالفعلعلى النهج القويم ، وسلكوا في حب الله ورسوله طريقًاسليمًا خاليًا من المبالغة المفرطة التي تعد خروجًا عن المألوف ، وهؤلاءهم المحبون الذين يستحقون منا الاحترام والتقدير. وأن هناك جماعة من أبناءجلدتنا ـ هداهم الله ـ شذوا عن الصواب في معتقداتهم وسلوكهم ، فسقطوا فيمالا يرضاه الله ورسوله ، ولا يقبله ديننا الحنيفمن تبرك بالأولياء وتمسح بالقبور وادعاء كاذب وشعوذة ، وهؤلاء لا نصيب لهممن الدين الصحيح ، ونسأل الله لهم الهداية والرشاد والرجوع إلى طريق الحقوالصواب .
أماأنيقوم الشيخ عبد الرحمن بالتكفير لمن نطق بالشهادتين والتشهير والاتهامالباطل الذي لا يستند إلى دليل ، فهذا ما لا يقبله إنسان عاقل يؤمن باللهوملائكته ورسله واليوم الآخر ...
لقدرأيتالسيد الرفاعي في حديثه منطقيًا ، ينطلق من الواقع ، بل كان أقرب إلىالموضوعية ، والنقد الذاتي عندما ذكر أن هناك بعض الانحرافات عند بعضهم ،خاصة وأن للتصوف وجودًا في المجتمعات الإسلامية من المغرب إلى أندونيسيا ،وأن التصوف عمل يصدر عن البشر ، وأن عمل البشريعتريه الخطأ والصواب ، ورحم الله أمرأ أهدى إلينا عيوبنا ، ولكن هذا لايسوغ لأحد أن يكيل الاتهامات جزافًا ، ولا يبرر لأحد التعميم والبعد عنالمنطق السليم.
وأخيرًا،لا بد أن أشير إلى أن ما ذكره السيد الرفاعي من أن التصوف هو إقبال علىالعبادة ، وذكر دائم لله ، وتغنى بصفات الرسول الكريم ، إنما هو فعلالصحابة والتابعين وتابعي التابعين .. إذًا فالفعل كان موجودًا دون أنيكون له مسمى ، فقد سلك كثير من السلف الصالح مسلك الصوفيةالحقيقية التي خرجت من أحضان الزاهدين الأوائل.
صحيحأنالصوفية تعرضت لكثير من النقد في فترات من التاريخ الإسلامي لأسباب لامجال لذكرها الآن ، إلا أن اجتماع هؤلاء المريدين على حلقات الذكر ،والقرآن ، والتغني بحب الرسول ، هو خير بكثير من اجتماع آخرين حتى ساعةمتأخرة من الليل حول شيشة في المقاهي الدخيلة على مجتمعاتناوعاداتنا وتقاليدنا .. إن لم يكن اجتماعهم على أمور أشد منها وأنكى !! .
هميستكثرونعلى هؤلاء الناس أن يتغنوا بحب رسولهم الكريم بكلمات نظيفة وألفاظ عفيفةومجلس طيب .. ويغضون الطرف عن ( ... ) يتغنى مع جوقة من أضرابه بمحبوبتهبساقط الكلام ، ورذائل الأفعال ، مما يمجه الذوق السليم ، وتأباه المروءةوالدين .
أخيرًاأقول: من الخير للمرء أن يقول خيرًا أو ليصمت ، ولْيَدَع الخلق للخالق
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين