رغم أن كل الأحكام القضائية وقرارات أجهزة التحقيق تجب ما قبلها، فإن قرار
المستشار عاصم الجوهرى مساعد وزير العدل لشؤون جهاز الكسب غير المشروع بحبس
سوزان مبارك 15 يوما على ذمة التحقيقات لم يلغ لقب السيدة الأولى لسوزان
مبارك، فنزيلات سجن النساء كلهن ينتظرن وصول صاحبة اللقب إليهن ليتحول إلى
سيدة مصر الأولى التى تدخل السجن!!
قرار حبس سوزان مبارك الذى صدر صباح الجمعة الماضى بقدر ما يجسد على أرض
الواقع مبدأ سيادة القانون بقدر ما يدفع سوزان مبارك نحو محطة جديدة من
محطات الحياة بسجن القناطر، فى محطة تختلف تماما عن محطات سابقة كانت سوزان
فيها الآمر الناهى، الحاكم الخفى، مهندسة مشروع التوريث، صاحبة الحق الأول
فى اختيار الوزراء وإقالتهم، مشرعة قوانين الخلع والرؤية والختان التى
عرقلت الحياة الزوجية، وكانت صورتها تحتل صدر الصفحات الأولى فى الصحف
القومية وصدر الصفحات الأخيرة فى كتب القراءة للجميع وفى الحالتين
بالإجبار، وكانت تميمة النبوءة السوداء لمبارك.
سوزان صالح ثابت من مواليد 28 فبراير 1941، بمركز مطاى بمحافظة المنيا
لأبوين من أسرة ثرية، فوالدها طبيب أطفال درس فى لندن وتعرف على ممرضة
بمقاطعة ويلز البريطانية تدعى ليلى ماى بالمر.
درست سوزان المرحلة الابتدائية بمدرسة مصر الجديدة، ووقت أن كان عمرها 15
عاما نشرت جريدة الجيل فى أحد أعدادها صورة لها تحت عنوان «تذكر هذا
الاسم»، وهى مواضيع صحفية تصدرها الجيل لأشخاص تعتقد أنه سيكون لهم شأن فى
المستقبل ويصلون إلى القمة.
الجيل عددت مواهب وقدرات سوزان الطالبة بمدرسة سانت كلير، فهى رئيسة فريق
الباليه بمدرستها، وعضو نادى هليوليدو، تمارس السباحة وفازت بعدة بطولات فى
الرياضة، فضلا عن أنها عضو بفريق التنس بالنادى، وكان مدربها الكابتن على
توفيق مدرب فريق النادى يأمل أن يخلق منها بطلة سباحة عالمية، وسوزان أو
سوزى بحسب ما قالت الجيل تهوى قراءة القصص البوليسية، وأمنيتها بعد انتهاء
دراستها أن تعمل مضيفة جوية، ومثلها الأعلى «مويرا شيرر» راقصة الباليه
الإنجليزية.
انشغلت سوزان بالدراسة، فحصلت على الثانوية الأمريكية من مدرسة سانت كلير
بمصر الجديدة، ثم حصلت على شهادة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية
بالقاهرة، وتزوجت حسنى مبارك عام 1959، وفى منتصف عام 1961 أنجبت علاء،
وبعدها بعام ونصف أنجبت جمال وفى العام 1977 حازت الماجستير فى علم
الاجتماع، وهو نفس العام الذى عين فيه مبارك نائبا للجمهورية.
تذكر «سوزان» أن حياتها فى البداية لم تكن مترفة ولم تعش الحياة الرغدة
التى تتمناها أى فتاة فى مقتبل حياتها الزوجية، وفى أحد حواراتها
التليفزيونية ذكرت أن سنوات زواجها الأولى كانت صعبة، قائلة إنها كانت
وحدها المسؤولة عن تربية ابنيها علاء الذى أنجبته عام 1961 وجمال الذى
أنجبته بعد عام ونصف، وإنها عملت فى بداية حياتها معلمة بمدرسة ابتدائية
براتب 11 جنيها، وانقطعت عن الجامعة، وإن شقتها كانت صغيرة، ولم تستطع أن
تمتلك سيارة هى وزوجها إلا بعد 4 سنوات من زواجهما.
التحقت «سوزان» مرة أخرى بالجامعة الأمريكية، وحصلت على بكالوريوس العلوم
السياسية عام 1977 من نفس الجامعة، وكان عمرها 36 عاما، وقال أستاذها سعد
الدين إبراهيم فى إحدى مقالاته إن مبارك كان يسخر من زوجته ويقول لها:
«انتى لسه بتذاكرى؟».
22 عاما مرت هادئة فى الحياة الأسرية لسوزان، لم تكن معروفة لأى جهات
إعلامية، فقط تهتم بتربية نجليها علاء وجمال ورفع الروح المعنوية لزوجها
الذى يتقلد منصبا جديدا فى القوات المسلحة، حتى جاء العام 1981 واغتيل
الرئيس الراحل أنور السادات فى حادث المنصة الشهير، ووقتها تم الدفع بنائبه
حسنى مبارك الذى تولى منصب رئيس الجمهورية فعليا فى 14 أكتوبر 1981،
وأصبحت سوزان فعليا «سيدة مصر الأولى» فى طموح لم تكن تتوقعه من قبل ولا
يقارن بحلم الصغر، وهو أن تعمل «مضيفة جوية».
تغير اسم سوزان مع بداية حكم مبارك من سوزان منير ثابت إلى سوزان مبارك،
وظلت بعيدة عن الظهور فى الصحف والتليفزيون للسنوات العشر الأولى، حتى إنه
فى حال نشر أى صحيفة لصورها يتم معاقبة حرسها الخاص حتى جاء الانفتاح
الإعلامى والعام فى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من خلال ممارستها
للعمل التنموى والاجتماعى عبر جمعية مصر الجديدة، وبدأ ظهورها يتزايد يوما
بعد يوم.